بقلم الكاتبة / زينب مدكور عبد العزيز
التنمر هو السلوك الذي يترك أثرًا لا يُمحى، كندبة على قلب الضحية لا تندمل بسهولة. إنه اعتداءٌ قد يكون لفظيًا أو معنويًا أو جسديًا، لكنه في كل أشكاله يسرق الطمأنينة ويمزق الثقة بالنفس. التنمر ليس مجرد كلمة أو نظرة، بل هو سهمٌ يصيب الروح ويتركها تنزف بصمت.
التنمر: صور وأشكال متعددة
تنمر المدرس على الطالب:
عندما يصبح المعلم، الذي يُفترض أن يكون قدوة ومصدر أمان، متنمرًا على طلابه، فإن الجرح يكون أعمق وأقسى. تخيل طفلًا يذهب إلى مدرسته مرتديًا ملابس بسيطة؛ بدلًا من أن يجد تشجيعًا، يواجه كلمات قاسية من معلمه مثل: "ألا تستطيع عائلتك شراء ملابس جديدة؟" أو نظرة ساخرة تملأ عيني المدرس دون أن ينطق بكلمة. هنا لا يخسر الطفل ثقته بنفسه فقط، بل يتعلم أن الفقر عيب، وأن البساطة جرم.
تنمر الكبير على الصغير:
كالأب الذي لا يرى في طفله إلا مصدرًا للتوبيخ، أو الأخ الأكبر الذي يحول المنزل إلى ميدان من السخرية والانتقادات. حين يواجه الطفل هذا النوع من التنمر داخل منزله، يصبح العالم الخارجي أكثر رعبًا.
تنمر الصغير على الكبير:
قد يبدو غير مألوف، لكنه يحدث عندما يسخر الشباب أو الأطفال من كبار السن، سواء بسبب مظهرهم أو حاجتهم للمساعدة. تلك السخرية تضرب قلوب الكبار وتجعلهم يشعرون أنهم عبء على من حولهم.
التنمر في العمل:
المدير الذي يستغل منصبه لفرض سيطرته على موظفيه عبر الإهانات أو النظرات المهينة، أو الزملاء الذين ينشرون الشائعات أو يقللون من قيمة الآخرين. في مثل هذه البيئات، يخسر الجميع؛ إذ تتحول أماكن العمل إلى ساحات صراع لا مساحات إنتاج.
التنمر الإلكتروني:
عبر ضغطة زر، تُطلق كلمات مسمومة تصل إلى القلب. صورٌ مُحرَّفة، تعليقات لاذعة، وحملات تشويه تُمارس ضد أشخاص قد لا يملكون وسيلة للدفاع عن أنفسهم.
النظرات والتلميحات الجارحة
أحيانًا، لا تكون الكلمات هي السلاح، بل النظرات. نظرة مليئة بالاحتقار أو الشفقة تستطيع أن تكسر إنسانًا أكثر مما قد تفعله أي كلمة.
التأثير على المتنمر عليه
فقدان الثقة بالنفس: كل كلمة أو نظرة تترك أثرًا، كحجر يُلقى في بئر الطمأنينة، فيثير اضطرابًا لا يهدأ.
الشعور بالعزلة: الضحية يشعر أنه غريب حتى بين أقرب الناس إليه.
ألم نفسي دائم: التنمر قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية عميقة كالاكتئاب والقلق، وحتى التفكير في إنهاء الحياة.
لكن ماذا عن المتنمر؟
قلب قاسٍ: المتنمر يُظهر قوة زائفة تخفي ضعفًا داخليًا.
علاقات هشة: تصرفاته العدائية تجعله مرفوضًا اجتماعيًا.
إرث سيئ: المتنمر يزرع الكراهية حوله ويترك أثرًا سلبيًا في كل من يقابلهم.
كيف نتصدى للتنمر؟
بالوعي: علينا أن ندرك أن التنمر ليس قوة بل ضعفًا.
بالكلمات الطيبة: الكلمة الطيبة قد تكون طوق نجاة لمن يشعر بالضعف.
بالدعم: لا تترك الضحية وحدها. الوقوف بجانبها يمنحها قوة لمواجهة هذا الظلم.
التعامل مع المتنمر يجب أن يتم بحزم لضمان عدم تكرار السلوك. في كثير من الدول، يتم فرض عقوبات قانونية على التنمر الإلكتروني والتنمر في العمل. أما في البيئات الأسرية والتعليمية، فيمكن اتخاذ إجراءات مثل جلسات التوجيه والإرشاد النفسي.
كيف نتعامل مع التنمر؟
1. التوعية:
زيادة الوعي بخطورة التنمر وتأثيره على الفرد والمجتمع.
2. الدعم:
تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، وتشجيعهم على التحدث عن مشكلاتهم.
3. الإبلاغ:
يجب على الضحايا عدم التردد في الإبلاغ عن المتنمرين للجهات المختصة أو المسؤولين.
وأخيرا
التنمر ليس مجرد تصرف فردي بل ظاهرة اجتماعية تتطلب مواجهة شاملة من الأسرة، والمدرسة، وأماكن العمل، والمجتمع ككل . بتعزيز قيم الاحترام والمساواة، يمكننا بناء مجتمع خالٍ من التنمر وأكثر أمانًا للجميع.
التنمر ليس مجرد فعل، بل جرح يطول نزفه. لا تكن جزءًا من هذا الجرح، ولا تسمح لأحد أن ينزف بسببه. كن أنت الضوء الذي يبدد ظلامه، والكلمة التي تشفي ألمه. فبلمسة احترام واحدة، قد تُنقذ روحًا من الانكسار.