ملحمةُ أكتوبرِ المجيدةُ - الناشر المصري

ملحمةُ أكتوبرِ المجيدةُ - الناشر المصري

بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي


إنَّ المرءَ ليشعرُ بالفخرِ والاعتزازِ عندما يشاهدُ لقطاتٍ من أحداثِ نصرِ أكتوبرِ المجيد ، أو يقرعُ سمعه الحديث عنه ؛ لأنه بحقٍ أعظمُ ملحمةٍ صُنعت في التاريخِ الحديث ، ولا أعدنّي مبالغاً في ذلك ، إذ المتأملُ فيما ترتب عليها من نتائج ليوقنُ بذلك بالرغم من أن ( المخاطرةَ كانت - كما قال الرئيسُ السادات - رحمه الله - كبيرةً ، وكانت التضحيةُ عظيمةً ، ولكن النتائجَ المُحققةَ لمعركة الساعاتِ الستِ الأولى من حربنا كانت هائلة ) ، ومن أهم هذه النتائجِ ما يلي : 

- استعادةُ كرامةِ الأمةِ التي نيل منها في نكسة 1967 م ، والتئامِ جرحها الغائرِ الذي ظلَّ ينزفُ طيلةَ ستِ سنواتِ . 

- تغييرُ الخريطةِ السياسيةِ للشرقِ الأوسطِ بعد تسطيرِ هذه الملحمةِ في أبهى صفحاتِ التاريخِ ، الأمرُ الذي يعكسُ مدى قدرةِ قواتنا المسلحةِ على صنعِ ما عدّه استراتيجو الحروب وخبراؤها مستحيلاً ، إذ تمكن جنودنا من تحطيمِ خطِ بارليف الحصين ، والقضاءِ على أسطورةِ الجيشِ الذي لا يُهزم . 

- الكشفُ عن بسالةِ الجندي المصري ، ومدى تحمّله ، وعلوِّ همّتهِ ، وقوةِ عزيمتهِ إذ لا يستطيعُ أحدٌ - كانئاً من كان - أن يفتَّ في عضده ، أو يثنيه عن إرادته ، أو يقفَ حائلاً بينه وبين الوصولِ إليها . 

- الكشفُ عن أصالةِ الشعبِ المصري ، وطيبِ معدنه ، ذلك الشعبُ الذي تحمّلَ تجرعَ مرارةَ الآلامِ على أملِ الوصولِ إلى حلاوةِ الآمال ، كل ذلك بصبرٍ جميلٍ ، وجهدٍ مضنٍ ، إذ لم يألُ جهداً ، أو يدّخر وسعاً في سبيلِ استعادةِ كرامتهِ وهيبته ، واسترخص - غير آسفٍ - النفسَ والنفيسَ . 

- ظلت مصر - كعادتها - الصخرةَ التي تتحطّمُ عليها أحلامُ كلِ من تسوّلُ له نفسه النيلَ من الإسلامِ وأهله ، وذلك ليس بمستغربٍ عليها فهي من ردّت هجماتِ التتارِ الذين راموا استئصالَ شأفةَ الإسلامِ والمسلمين ، ووقفت حجرَ عثرةٍ أمام تحقيقِ أحلامِ الصليبين وطموحاتهم في الشرقِ الأوسطِ . 

- الوصولُ بمصرنا الحبيبةِ إلى مرحلةِ إثباتِ الذات ، والتأكيدِ على دورها الاسترتيجي في المنطقةِ بل في العالمِ أجمع ، وعدمِ الاستهانةِ بمقدّراتها السياسيةِ والعسكريةِ ، الأمرُ الذي جعلها تستشعرُ الأمانَ ، وتعملُ جاهدةً للوصولِ إلى الاستقرارِ بإريحيةٍ وطمأنينةٍ خاصةً بعد أن أصبح لهذا الوطنِ - كما قال الرئيسُ السادات - درعٌ وسيفٌ . 

هذه هي أهم النتائجِ التي كشفت عنها ملحمةُ أكتوبرِ المجيدة ، والتي تؤكدُ أيّما تأكيدٍ على وصف الحجاجِ بن يوسفِ الثقفي لأهل مصرِ في وصيته لطارقِ بن عمروٍ - وإن كان أهلُ الروايةِ أنكروا أن يكونَ لهذا الأثرِ ذكرٌ إلا أنَّ أهلَ الدرايةِ بواقعِ الأممِ وأحوالها يعرفون مصداقيةَ ذلك إذ الواقعُ مؤكدٌ له ، والتاريخُ شاهدٌ عليه - عندما قال له : 

لو ولّاكَ أميرُ المؤمنين أمرَ مصرَ فعليك بالعدلِ فيهم ، فهم قتلةُ الظلمةِ، وهادمو الأممِ ، وما أتى عليهم قادمٌ بخيرٍ إلا التقموه كما تلتقمُ الأمُ رضيعها ، وما أتى عليهم قادمٌ بشرٍ إلا أكلوه كما تأكلُ النارُ أجفَ الحطبِ ، وهم أهلُ قوةٍ وصبرٍ وجلدٍ ، ولا يغرنّك صبرهم ، ولا تستضعف قوتهم ، فهم إن قاموا لنصرةِ رجلٍ ما تركوه إلا والتاجُ على رأسه ، وإن قاموا على رجلٍ ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه ، فاتقِ غضبهم ، ولا تشعل ناراً لا يطفئها إلا خالقهم ، وانتصر بهم فهم خيرُ أجنادِ الأرضِ ، واتقِ فيهم ثلاثاً: 

- نساءهم فلا تقربهم بسوءٍ ، وإلا أكلوك كما تأكل الأسودُ فرائسها . 

- أرضهم ، وإلا حاربتك صخورُ جبالهم . 

- دينهم ، وإلا أحرقوا عليك دنياك ، وهم صخرةٌ في جبلِ كبرياءِ اهِر تتحطمُ عليها أحلامُ أعدائهم وأعداءِ اللهِ . 

هاهم المصريون هكذا كانوا ، وهكذا سيظلون - إن شاء اللهُ - حفظَ اللهُ مصرنا قيادةً وشعباً وأرضاً بما يحفظُ به عباده الصالحين ، فهو خيرٌ حافظاُ ، وهو أرحمُ الراحمين . 

تعليقات