بقلم دكتور / عمران صبره الجازوي
إن الاحتفال بمولد النبي - ﷺ - لا يكون بعمل السرادقاتِ ، ولا بإقامة الحفلاتِ ، ولا باستقدامِ المدّاحين والمنشدين ؛ ليتباروا في مدحه - ﷺ - تارةً متطوعين ، وتاراتٍ متكسبين بالرغمِ من أنه مدحه - ﷺ - قربةٌ يتقربُ بها العبادُ إلى الله - عزّ وجلّ - ويكون مدحهم – للأسفِ الشديدِ - مصحوباً بالمعازفِ التي نهى عنها - ﷺ - ، ولا يكونُ بتبادلِ الهدايا والحلويات ، أو بتعطيلِ الهيئاتِ والمؤسساتِ ، كما لا يكونُ - أيضاً- بجوبِ المحبين له والمنتسبين إليه أرجاء البلادِ رافعين البيارق والأعلام ، معتقدين بذلك أنهم يفعلون ما يرضيه ، ويُعلي ذكره - ﷺ - ويحييه ، ونسوا بأن ذكره - ﷺ - مرفوع ، قال تعالى : { ورفعنا لك ذكرك } سورة الشرح آية-4 ، ولو وُزن ما يفعلونه بميزان الشرعِ لوُجد أنه موضوع .
وأتساءل : كيف ندّعي محبته ، وقد خالفنا سنته ؟ أو كيف سنلقاه وقد عصيناه وشاققناه ؟ وكيف نُحسبُ من أمته - ﷺ - وقد جهلنا سيرته ؟ أو كيف ندّعي بأننا بتنا لرؤيته متشوقين ، وإن أتيناه على الحوضِ حيل بيننا وبينه ؛ لكوننا مغيّرين ومبدّلين ؟
فتحنا باب التغييرِ والتبديل على مصراعيه ، واستعضنا بالمبتدعاتِ عن المسنوناتِ ، فاستبدلنا الذي هو بالذي هو خيرٌ ، وتبدّل الأمرُ فحسبَ الناسُ من جهلهم البدعَ سنناً ، واعتلى ترابُ البدعِ لآليءَ ديننا فما استبانت لأعين المسلمين ، وإذا ما جئت لتنفضَ عنها هذا الترابَ لتجلوها لناظريها اُتهمت بأنك جئتَ بدينٍ جديدٍ ، فإلى الله المشتكى ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باله .
فيا كلَّ محبٍّ لرسول الله - ﷺ - عليك بإحياء سنته ، والاقتداءِ بهديه وسيرته ، واعلم أن في إحيائك للسنة إماتةً للبدعة التي هي أحبُّ إلى إبليس من المعصيةِ ، لأن البدعةَ يفعلها صاحبها ، وهو معتقدٌ بأنه على صوابٍ ، ويدعو إليها . أما المعصيةَ فيفعلها صاحبها ، وهو معتقدٌ بأنه على خطأٍ ، ويستحي من اطّلاعِ الناسِ عليها .
ولا يقفُ خطرُ البدعِ عند إماتة السنن فحسب ، بل يتعداه إلى إفسادِ العقيدة ، والتي إن فسدت لم يقبل الله من صاحبها صرفاً ولا عدلاً ؛ لأن المبتدعَ يتهمُ النبي - ﷺ - اتهامين كليهما أخطرُ من صاحبه :
أولهما – أن النبي - ﷺ - قد خان الرسالةَ ، ولم يبلغها كاملةً ، بالرغم من أنه لم يلتحق - ﷺ - بالرفيقِ الأعلى إلا بعد أن أكملَ الله على يديه الدينَ ، وأتمَّ به النعمة ، قال تعالى : { اليومَ أكملت لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } سورة المائدة آية – 3 ، وروي عن الإمام مالك – رضي الله عنه – أنه قال : " من ابتدع في الإسلامِ بدعةً يراهاحسنةً فقد زعم أن محمداً - ﷺ - قد خان الرسالةَ ، وتلا قول الله – عزّ وجلّ - : { اليومَ أكملت لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } ، ولن يصلحَ آخرُ هذه الأمةِ إلا بما صلح به أولها فما لم يكن يومئذٍ ديناً فلا يكونُ اليومً ديناً " الشاطبي : الاعتصام ج/1 ص 28
ثانيهما - اتهامه - ﷺ -بالتقصيرِ ؛ لأننا بابتداعنا نكونُ قد زعمنا بأننا قد سبقنا إلى فضيلةٍ قد قصّر عنها رسولُ الله - ﷺ - ، وهو الذي ما ترك شيئاً يقرّبه من الله ، يقرّبه من الجنةِ ،و يبعده عن النار إلا وفعله ، وأمر أمته به ، وما ترك شيئاً يبعده عن الله ، يبعده عن الجنةِ ، ويقرّبه من النار إلا وتركه ، ونهى أمته عنه . فبأبي هو وأمي صلّى حتى تورمت قدماه من كثرةِ الخشوع ، وصام حتى غارت عيناه من شدّةِ الجوع ، فمقامه في العبادةِ لا يرقى أحدٌ إليه ، وحاله في طاعةِ ربه لا يستطيعُ أحدٌ أن يزيدَ عليه .
فعلينا – أحبتي – بالاتباعِ ، وتركِ الابتداع ؛ لنلقى رسولَ الله - ﷺ - ، وهو عنا راضٍ ، فيكون فرطنا على الحوضِ ، وقائدنا في الدخولِ إلى جنةٍ عرضها السمواتُ والأرض.