مقالات

حين يتحوّل البيت إلى ساحة حرب… يكون الطفل هو الضحية

الناشر المصري

بقلم: د. هدير محمود فايد – أخصائية تربية خاصة وإرشاد أسري ونفسي

تزداد في الآونة الأخيرة معاناة الأطفال نتيجة الصراعات والخلافات الأسرية داخل المنازل،

حيث تظهر على الكثير منهم اضطرابات نفسية وسلوكية مؤلمة. ففي مراكز العلاج، نرى أطفالًا

يفقدون القدرة على الكلام فجأة أو يتلعثمون

بعد أن كانوا يتحدثون بطلاقة، وآخرين يعانون من العناد المفرط أو السلوك العدواني أو الانعزال

بالإضافة إلى حالات الاكتئاب والقلق والتبول اللاإرادي.

وتُشير د. هدير محمود فايد إلى أن هذه المشكلات

لا تنشأ من فراغ أو من داخل الطفل نفسه، وإنما تعود غالبًا إلى بيئة أسرية مضطربة يعيش فيها الطفل

تحت تهديد دائم بسبب الشجارات المستمرة بين الوالدين، وما يصاحبها من صراخ وإهانات وعنف وكسر للأشياء أمام عينيه.

فالطفل قد لا يفهم تفاصيل المشهد، لكنه يشعر بالخوف والضياع وفقدان الأمان.

✔️الطفل مرآة للبيئة… لا يُولد عدوانيًا

حين يشاهد الطفل أحد والديه يضرب الآخر، أو يرى دموع والدته بشكل متكرر، تتكوّن لديه صورة مشوّهة

عن العلاقات الإنسانية. فيتعلّم أن العنف هو الوسيلة لحلّ الخلافات، وأن الضعف جزء طبيعي من الحياة.

ومع مرور الوقت يبدأ في تجسيد ما يراه في سلوكياته اليومية، فيضرب، يشتم، يعاند، ينعزل

ثم يتساءل الأهل: لماذا تغيّر طفلنا؟

✔️تراكم الجراح النفسية في ذاكرة الطفولة :

أطفال هذا الجيل أكثر إدراكًا وذكاءً وحساسيةً. كلّ مشهد أذى أو إهانة يُخزَّن في ذاكرتهم، ليصبح جرحًا

نفسيًا قد يظلّ ملازمًا لهم حتى مرحلة البلوغ، بل وقد يؤثّر على علاقتهم الزوجية مستقبلًا، مما يُعيد إنتاج نفس الدائرة المؤلمة من جديد.

✔️الخلاف ليس مشكلة… لكن طريقة الخلاف هي الخطر الحقيقي :

تؤكد د. هدير أن الحل لا يكمن في التمثيل الزائف أمام الأبناء بأن الأمور على ما يرام، بل في إدارة

الخلاف بين الزوجين باحترام دون تجريح أو عنف

أو تعنيف أمام الطفل. فحتى في حالة الانفصال، يمكن

حماية الطفل من الأذى النفسي إذا ظلّت العلاقة بين الأبوين قائمة على الاحترام.

✔️الأطفال يدفعون ثمنًا لا ذنب لهم فيه :

قد لا يعبّر الطفل بالكلمات عن ألمه، لكنه يظهره في تصرفاته وسلوكياته غير المفهومة. لذا فإن مسؤولية

الآباء تجاه الأبناء لا تتوقف عند توفير المأكل والمسكن، بل تبدأ من صيانة مشاعرهم وطمأنينتهم الداخلية.

رسالة للآباء والأمهات:

قبل كل كلمة جارحة أو انفعال أمام أطفالكم… تذكّروا أنكم إمّا تبنون إنسانًا سويًّا أو تهدمونه.

فالطفل لا يحتاج رفاهية كبيرة، بل يحتاج منزلًا آمنًا وقلبين متفاهمين.

وإن لم يكن الاستمرار في الحياة الزوجية ممكنًا، فالانفصال باحترام أرحم بكثير من العيش في جحيم الصراعات.

 وختامًا…

حماية أطفالنا من جراح الطفولة ليست خيارًا… بل واجبًا ومسؤولية.

فالجرح النفسي الذي يتكوّن في الصغر،

لا يمحوه أي علاج بسهولة مهما طال الزمن.

حين يتحوّل البيت إلى ساحة حرب… يكون الطفل هو الضحية
حين يتحوّل البيت إلى ساحة حرب… يكون الطفل هو الضحية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى