مقالات

التداخلات في تربية الطفل… حين يضيع الصوت بين “نعم” و”لا”

الناشر المصري

بقلم الدكتورة هدير محمود فايد – اخصائي تربية خاصة وإرشاد أسري ونفسي

المقدمة

في كثير من البيوت نجد مشهدًا متكررًا:

طفلٌ يقف حائرًا لا يدري لمن يُصغي، فالأم تقول “لا”، والأب يقول “نعم”،

والجدة ترى أن الأمر بسيط ولا يستحق المنع!

وهكذا يعيش الطفل وسط أصواتٍ متضاربة وتوجيهاتٍ متناقضة، تجعله

غير قادر على التمييز بين الصواب والخطأ، ولا يعرف من المسؤول الحقيقي عن تربيته.

للأسف، هذه التداخلات داخل الأسرة تُعد من أكثر الأسباب التي تُربك

الطفل وتُضعف شخصيته.

فحين تغيب القواعد ويختفي الانسجام بين الوالدين، يصبح البيت

بلا قائدٍ تربويٍّ واضح، وتضيع هيبة

القرار، فيتعلم الطفل أن لكل أمر أكثر

من وجه، ولكل موقف أكثر من حل،

فيبدأ في استغلال هذا التناقض لصالحه.

وهكذا يتحوّل الطفل من كائنٍ بريءٍ يبحث عن التوجيه، إلى طفلٍ ذكيٍ

يلتف على القواعد ليحصل على ما يريد.

لكن النتيجة على المدى البعيد تكون خطيرة: طفلٌ متردد، عنيد، غير منضبط، وربما فاقد الثقة في من حوله.

وليس الطفل هو المذنب هنا… بل الكبار.

حين تقول الأم لطفلها: “لا ترفع صوتك”، وهي نفسها ترفع صوتها عليه،

أو تقول له: “لا تصرخ في وجه أختك”، بينما الأخت الوسطى تصرخ في الكبرى دون توجيهٍ من أحد،

أو حين تُهين الأم ابنتها الكبرى أمام الآخرين، ثم تتساءل لاحقًا:

> لماذا أصبحت ابنتي عصبية؟ ولماذا ترد عليّ؟”

إن الطفل يتعلّم بما يراه لا بما يسمعه.

فالكلمة لا قيمة لها إن خالفتها الأفعال.

وحين يرى الطفل أن من يوجهه

لا يطبّق ما يقول، يفقد احترامه له، ويبدأ في تقليده لا في طاعته.

 ما الحل؟

أن يكون هناك اتفاق واضح داخل الأسرة على أسلوب التربية،

فلا تتعدد الأوامر ولا تتضارب.

أن يدعم الأب قرارات الأم، وأن تساند الجدة أبناءها بدلًا من إضعاف سلطتهم أمام الطفل.

أن تكون القواعد ثابتة، والعقوبات متزنة، والمكافآت عادلة.

والأهم من كل ذلك… أن نكون قدوةً حقيقية في كل ما نقول ونفعل.

في الختام

إن الطفل لا يحتاج إلى أن يسمع “كن مؤدبًا”، بل يحتاج أن يرى أدبًا أمام عينيه.

ولا يحتاج أن يُقال له “احترم الآخرين”، بل أن يرى الاحترام

في تعاملات والديه مع بعضهما.

فحين تتوحّد كلمة الكبار، ويصبح السلوك منسجمًا مع القول،

حينها فقط… ينشأ الطفل في بيئةٍ

آمنةٍ مستقرة، ويجد فينا القدوة قبل النصيحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى